معجزات النبي

بسم الله الرحمن الرحيم
معجزات النبي
جامع المصطفي : المنصورة 28/3/2008 م
الحمد لله رب الأرض السماوات . أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون . سبحانه سبحانه أيد نبيه بالحجج الواضحات والمعجزات البينات .أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله النجاة من النار والفوز بالجنات وأتوكل في جميع الأمور عليه. وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله واصطفاه واجتباه ووفقه وهداه فكان أقرب المقربين إليه. اللهم صل وسلم بارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه ونهجه إلى يوم الدين . أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان ثم أستفتح بالذي هو خير يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَو كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً" .
عباد الله أيها المسلمون :ـ
يلزم لمدعي النبوة أمران : إدعاء النبوة وأن يؤيد بالمعجزات . و المعجزة : أمر خارق للعادة يأتي به الله تعالي علي يد مدعي النبوة علي وفق مراده تصديقا له . أمر خارق للعادة يخرج به غرائب المخترعات والسحر والشعوذة والدجل فليست خارقة للعادة . يأتي به الله تعالي علي يد مدعي النبوة يخرج به الإرهاص والكرامة والمعونة والاستدراج فالإرهاص أمر خارق يظهر قبيل البعثة تأسيسا للنبوة .الكرامة فهي أمر يظهره الله علي يد رجل صالح إكراما له والمعونة أمر خارق يظهر علي يد مستور الحال تخليصا له من شدة والاستدراج أمر يظهره الله علي يد مدعي الألوهية خدعة .علي وفق مراده تصديقا له خرج به المهانة فهي أمر يظهره الله علي يد كذاب إهانة له مثلما حدث لمسيلمة الكذاب . قيل لمسيلمة الكذاب إن محمد رد عين قتادة بن النعمان لما سالت علي وجنته فقال هاتوا أعور لأرد عينه فأتوا بأعور فأطاح العين الأخرى . والمعجزة على نوعين نوع من قدرة البشر كتحدي اليهود أن يتمنوا الموت . ونوع خارج عن قدرة البشر كانشقاق القمر . ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ظهرت على يديه تشمل كلا النوعين فهو صلى الله عليه وسلم أكثر الرسل معجزات وأبهرهم آيات وله من المعجزات ما لا يحصى . وقد أعطي الله كل نبي معجزة من جنس ما نبغ فيه قومه فلما نبغ اليهود في السحر كانت معجزة موسي عليه السلام في السحر " وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ وَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِين وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ . قالوا آمنا برب العالمين رب موسي وهارون "َ . ولما نبغ قوم عيسي في الطب كانت معجزة عيسي في الطب " وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُون ِ. إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ". ولما كان العرب أرباب فصاحة وأساطين بيان كانت معجزة النبي صلي الله عليه وسلم القرآن . ففي البداية تحداهم أن يأتوا بمثله فقال " قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَو كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً" .وقال " فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين " . فعجزوا فتقاصر معهم إلي عشر سور" أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " . فعجزوا فتقاصر معهم إلى سورة من مثله " وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " . وظل القرآن الكريم ويظل علي مر العصور معجزا في بنائه التعبيري وتنسيقه الفني . معجزا في بنائه الفكري وتناسقه المنطقي . لا يتغير ولا يتبدل محفوظا بحفظ الله له "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون ". لا يختلف عليه ولا فيه أحد " َفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً " .
ومن معجزات النبي معجزة الإسراء والمعراج" سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " . أسري الله به من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى بفلسطين ثم عرج به إلى السبع الطباق سماء سماء ثم إلى سدرة المنتهي ثم إلى الكرسي ثم إلى العرش ثم إلى حيث لا يعلم علمه إلا الله " ولِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " .
ومن معجزاته كذلك أنه شق القمر لأهل مكة نصفين حتى رأوا حراء من بينهما يروي الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما" ورغم ذلك عاندوا واستكبروا وقالوا سحر مستمر " اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ . وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ . وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ . وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ .حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ " .
ومن معجزاته كذلك نبع الماء من بين أصابعه صلي الله عليه وسلم ويصح في ذلك ما روي الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة ( إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء) فتوضأ فجهش الناس نحوه - والجهش: أن يفزع الإنسان إلى الإنسان وهو مع ذلك يريد أن يبكي كالصبي يفزع إلى أمه فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت: كم كنتم؟
قال: لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة " .
ومنها بركة الطعام وزيادته صح في ذلك ما روي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن جابر بن عبد الله رضي عنهما يوم الخندق يقول جابر: لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه به جوع فأتيت إلى امرأتي فقلت لها: هل عندك شيء؟ فإ ني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصًا شديدًا فأخرجت لي جرابًا (أي وعاء من جلد) فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن قال: فذبحتها وطحنت ففرغت إلي فراغي فقطعتها في برمتها ثم وليت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه قال فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعًا من شعير كان عندنا فتعال أنت في نفر معك فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا أهل الخندق! إن جابرًا قد صنع لكم سورًا وهو الطعام الذي يدعى إليه وقيل الطعام مطلقًا فحيهلا بكم يعني أقبلوا وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم، حتى أجي . فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك أي ذمته ودعت عليه فقلت قد فعلت الذي قلت لي معناه أني أخبرت النبي بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها صلى الله عليه وسلم وبارك ثم عمد إلي برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال: ادعى خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم وهم ألف فأقسم بالله! لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا وعجينتنا كما هي " .
ليس هذا فحسب بل بركة الشراب كذلك يروي الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول ألله الذي لا اله إلا هو كان يوما جوعانا و قعد يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسأله عن آية في كتاب الله، ما سأله إلا ليشبعني فمر ولم يفعل . ثم مر بي عمر فسأله عن آية في كتاب الله، ما سأله إلا ليشبعني فمر ولم يفعل . ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآه وعرف ما في نفسه وما في وجهه ثم قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال الحقني ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن له فوجد لبناً في قدح فقال من أين هذا اللبن؟ قالوا أهداه لك فلان أو فلانة قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال:الحق إلي أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأؤون على أهلٍ ولا مالٍ ولا على أحدٍ إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها و أشركهم فيها فساء ني ذلك . فقلت وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها. ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال خذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة" . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الثانية :
يقول الله تعالي " لقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{128} فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " .عباد الله أيها المسلمون :
من معجزات النبي أنه كان مستجاب الدعوة فقد أكرمه الله بسرعة الإجابة وانتقم الله له من الظالمين وكان إذا دعي لأحد استجاب الله له في الحال .أما سرعة الإجابة : يروي البخاري ومسلم .عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال :يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا . قال أنس فأمطرت السماء وما رأينا الشمس سبتًا حتى جاءت الجمعة المقبلة . ثم دخل رجل من ذلك فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا فدعا رسول الله اللهم حولنا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب ومنابت الشجر . فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس " . أما دعاؤه علي الظالمين فقد روي الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور فأتي عقبة بن أبي معيط بسلي جزور لأبي جهل ووضعوها علي الرسول وهو ساجد فجاءت فاطمة و جويرية فرفعوها عنه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم اللهم عليك بقريش (ثلاث مرات) ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة فو الذي بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب " . أما دعاؤه للناس فقد دعي لأم أبي هريرة للإيمان فآمنت . وبحب الناس فما يري أحد أبا هريرة إلا أحبه وأمه .