المواضيع الأخيرة
بحـث
خبر الحجر الذى وجد فى قبر دانيال
صفحة 1 من اصل 1
خبر الحجر الذى وجد فى قبر دانيال
* خبر الحجر الذي وجد في قبر دانيال
وقال عفان: حدثنا همام، عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن مطرف بن مالك، أنه قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري فأصبنا قبر دانيال بالسوين، وكانوا إذا أجدبوا خرجوا فاستسقوا به فوجدوا معه رقعة فطلبها نصراني من الحيرة يسمى: نعيما، فقرأها وفي أسفلها (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) فأسلم منهم يومئذ اثنان وأربعون حبرا، وذلك في خلافة معاوية فأتحفهم معاوية وأعطاهم.
قال همام: فأخبرني بسطام بن مسلم أن معاوية بن قرة قال تذاكرنا الكتاب إلى ما (ص 97) صار، فمر علينا شهر بن حوشب فدعوناه، فقال: على الخبير سقطتم، إن الكتاب كان عند كعب، فلما احتضر قال ألا رجل ائتمنه على أمانة يؤديها؟ قال شهر: فقال ابن عم لي يكنى أبا لبيد: أنا، فدفع إليه الكتاب، فقال: إذا بلغت موضع كذا فاركب قرقورا، ثم أقذف به في البحر، ففعل، فانفرج الماء، فقذفه فيه ورجع إلى كعب فأخبره، فقال: صدقت إنه من التوراة التي أنزلها الله عز وجل.
ومن ذلك ((أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي)) ونحن نذكر بعضها:
قال الزبير بن بكار: حدثني عمي مصعب، عن مصعب بن عثمان، قال: كان أمية قد نظر في الكتب، وقرأها ولبس المسوح تعبدا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنفية، وحرم الخمر والأوثان، والتمس الدين، وطمع في النبوة لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب فكان يرجو أن يكون هو.
فلما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم، قيل له: هذا الذي كنت تبشر به وتقول فيه، فحسده عدو الله، وقال: أنا كنت أرجو أن أكون هو فأنزل الله عز وجل فيه: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين)وهو الذي يقول:
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنفية زور *
قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: كان أمية بن أبي الصلت يلتمس الدين، ويطمع في النبوة، فخرج إلى الشام فمر بكنيسة، وكان معه جماعة من العرب من قريش وغيرهم، فقال أمية: إن لي حاجة في هذه الكنيسة، فانتظروني، فدخل الكنيسة
ثم خرج إليهم كاسفا متغيرا، فرمى بنفسه، فأقاموا عليه حتى سرى عنه، ثم مضوا فقضوا حوائجهم، ثم رجعوا فلما صاروا إلى الكنسية، قال لهم: انتظروني، ودخل الكنيسة فأبطأ، ثم خرج أسوأ من حاله الأول، فقال له أبو سفيان بن حرب: قد شققت على رفقتك، فقال: خلوني فإني أرتاد لنفسي، وأطلب لمعادي،
وإن ههنا راهبا عالما أخبرني أنه سيكون بعد عيسى ست رجفات، وقد مضت منها خمس، وبقيت واحدة، فخرجت وأنا أطمع أن أكون نبيا وأخاف أن يخطئني فأصابني ما رأيت، فلما رجعت أتيته فقال: قد كانت الرجفة، وقد بعث نبي من العرب، فأيست من النبوة فأصابني ما رأيت إذ فاتني ما كنت أطمع فيه.
قال: وقال الزهري: خرج أمية في سفر فنزلوا منزلا فأم أمية وجها، وصعد في كثيب، فرفعت له كنيسة فانتهى إليها، فإذا شيخ جالس، فقال لأمية حين رآه: إنك لمتبوع فمن أين يأتيك رئيك؟ قال: من شقي الأيسر، قال: فأي الثياب (ص 98) أحب إليه أن تلقاه فيها؟ قال السواد، قال: كدت تكون نبي العرب ولست به، هذا خاطر من الجن وليس بملك، وإن نبي العرب صاحب هذا الأمر يأتيه الملك من شقه الأيمن، وأحب الثياب إليه أن يلقه فيها البياض، قال الزهري: وأتى أمية أبا بكر فقال له: يا أبا بكر، عمي الخبر، فهل أحسست شيئا؟ قال: لا والله، قال: قد وجدته يخرج في هذا العام.
وقال عمر بن شبة: سمعت خالد بن يزيد يقول: إن أمية وأبا سفيان بن حرب صحباني في تجارة إلى الشام، فذكر نحو الحديث الأول، وزاد فيه، فخرج من عند الراهب وهو ثقيل، فقال له أبو سفيان: إن بك لشرا فما قضيتك؟ قال: خير، أخبرني عن عتبة ابن ربيعة: كم سنه؟ فذكر سنا، قال: أخبرني عن ماله؟ فذكر مالا، فقال له: وضعته، قال أبو سفيان: بل رفعته، فقال: إن صاحب هذا الأمر ليس بشيخ، ولا ذي مال، قال وكان الراهب: أيأسه وأخبره أن الأمر لرجل من قريش.
قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: حدثني رجل من أهل الكوفة، قال: كان أمية نائما، فجاءه طائران فوقع أحدهما على باب البيت، ودخل الآخر فشق عن قلبه، ثم رده الطائر، فقال له الطائر الآخر: أوعى؟ قال:نعم، قال: أزكى؟ قال: أبى.
وقال الزهري: دخل يوما أمية بن أبي الصلت على أخته وهي تهنأ أدمالها، فأدركه النوم فنام على سرير في ناحية البيت، قالت: فانشق جانب من السقف في البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره، ووقف الآخر مكانه، فشق الواقع صدره فأخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الآخر للذي على صدره: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى؟ قال: فرد قلبه في موضعه.
ثم مضى فاتبعهما أمية طرفه، وقال: لبيكما لبيكما هاأنا ذا لديكما، لا بريء فاعتذر ولا ذو عشيرة فانتصر، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه حتى أخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الأعلى للواقع: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض فاتبعهما أمية بصره فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما، لا مال لي يغنيني، ولا عشيرة تحميني، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه، ثم أخرج قلبه فشقه فقال الطائر الأعلى:
أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض فاتبعه أمية بصره، فقال: لبيكما لبيكما هاأنا ذا لديكما، محفوف بالنعم محوط بالذنب، قال فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه فأخرج قلبه فشقه، فقال الأعلى: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، قال ونهض فاتبعهما طرفه فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما:
إن تغفر أللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما
ثم انطبق السقف، وجلس أمية يمسح صدره، فقلت: يا أخي! هل تجد شيئا؟ قال: (ص 99) لا، ولكني أجد حرا في صدري، ثم أنشأ يقول:
ليتني كنت قبل ما قد بدالي * في قلال الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينيك واحذر * غولة الدهر إن للدهر غولا
وقال مروان بن الحكم: عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبي سفيان بن حرب، قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت تجارا إلى الشام، فكان كلما نزلنا منزلا أخرج منه سفرا يقرؤه، فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى، فرأوه فعرفوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، ثم رجع في وسط النهار فطرح نفسه واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما.
ثم قال: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه تناهي علم الكتب تسأله عما بدا لك؟ قلت: لا، فمضي هو وحده، وجاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح وأصبح كئيبا حزينا ما يكلمنا ولا نكلمه، فسرينا ليلتين على ما به من الهم، فقلت له:
ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك؟ قال: لمنقلبي، قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إي والله، لأموتن ولأحاسبن، قلت: فهل أنت قابل أماني؟ قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، فضحك وقال: بلى والله، لتبعثن ولتحاسبن، ولتدخلن فريق في الجنة وفريق في السعير، قلت: ففي أيهما أنت أأخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك في ولا في نفسه فكنا في ذلك ليلتنا يعجب منا ونضحك منه، حتى قدمنا غوطة دمشق، فبعنا متاعنا، وأقمنا شهرين، ثم ارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى.
فلما رأوه جاؤوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، حتى جاءنا مع نصف النهار فلبس ثوبيه الأسودين وذهب حتى جاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم رمي بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح مبثوثا حزينا لا يكلمنا ولا نكلمه، فرحلنا فسرنا ليالي.
ثم قال: يا صخر، حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: إي والله، قال: أو يصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: نعم، قال: فكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم، قال: فهل تعلم قرشيا أشرف منه؟ قلت: لا والله، قال: أمحوج هو؟ قلت: لا، بل هو ذو مال كثير، قال: كم أتي له من السنين؟ قلت: هو ابن سبعين أو قد قاربها، قال: فالسن والشرف أزريا به، قلت: والله بل زاده خيرا، قال: هو ذاك.
ثم إن الذي رأيت بي إني جئت هذا العالم فسألته عن هذا الذي ينتظر، فقال:رجل من العرب من أهل بيت تحجه العرب فقلت: فينا بيت تحجه العرب قال هو من إخوتكم وجيرانكم من قريش فأصابني شيء ما(ص 100) أصابني مثله إذ خرج من يدي فوز الدنيا والآخرة وكنت أرجو أن أكون أنا هو، فقلت: فصفه لي؟
فقال: رجل شاب حين دخل في الكهولة، بدؤ أمره أنه يجتنب المحارم والمظالم، ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو كريم الطرفين، متوسط في العشيرة، أكثر جنده من الملائكة، قلت: وما آية ذلك؟ قال: رجفت الشام منذ هلك عيسى ابن مريم عدة رجفات كلها فيها مصيبة، وبقيت رجفة عامة فيها مصيبة، يخرج على أثرها، فقلت: هذا هو الباطل لئن بعث الله رسولا لا يأخذه إلا مسنا شريفا.
قال أمية: والذي يحلف به إنه لهكذا، فخرجنا حتى إذا كان بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكبا من خلفنا، فإذا هو يقول: أصابت الشام من بعدكم رجفة دثر أهلها فيها فأصابتهم مصائب عظيمة، فقال أمية: كيف ترى يا أبا سفيان؟ فقلت: والله ما أظن صاحبك إلا صادقا.
وقدمنا مكة ثم انطلقت حتى أتيت أرض الحبشة تاجرا، وكنت فيها خمسة أشهر.
ثم قدمت مكة فجاءني الناس يسلمون علي، وفي آخرهم محمد وهند تلاعب صبيانها، فسلم علي ورحب بي، وسألني عن سفري ومقدمي.
ثم انطلق فقلت: والله إن هذا الفتى لعجب ما جاءني من قريش أحد له معي بضاعة إلا سألني عنها وما بلغت، والله إن له معي لبضاعة ما هو بأغناهم عنها، ثم ما سألني عنها، فقالت: أوما علمت بشأنه؟ فقلت: - وفزعت - وما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول الله، فذكرت قول النصراني، فوجمت.
ثم قدمت الطائف، فنزلت على أمية فقلت: هل تذكر حديث النصراني؟ قال: نعم، فقلت: قد كان، قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله، فتصبب عرقا، فقلت: قد كان من أمر الرجل ما كان فأين أنت منه، فقال: والله لا أومن بنبي من غير ثقيف أبداً.
فهذا حديث أبي سفيان عن أمية، وذلك حديثه عن هرقل وهو في صحيح البخاري، وكلاهما من أعلام النبوة المأخوذة عن علماء أهل الكتاب.
وذكر الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وهو ثقة: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه قال:
خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب حطوا عن رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى إذا جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين.
فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفيه مثل التفاحة.
ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية (ص 101) الإبل قال: أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنى من القوم وجد هم قد سبقوه إلى في الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، قال: فينا هو قائم عليهم، وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه.
وإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم، وقال: ما جاء بكم؟ قالوا: بلغنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره فبعثنا إلى طريقك هذا
فقال: لعل خلفكم أحد هو خير منكم؟ قالوا: إنا قد أخبرنا خبره بطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه فهل يستطيع أحد من الناس رده، قالوا: لا، قال: فبايعوه وأقاموا معه، قال: أنشدكم الله أيكم وليه، قالوا: أبو طالب فلم يزل يناشدهم حتى رده، وقد روى محمد بن سعد هذه القصة مطولة.
قال ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر بن واقد، حدثنا محمد بن صالح، وعبد الله بن جعفر الزبيري، قال محمد بن عمر: وحدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى، وهو ابن ثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة، يتوارثونها عن كتاب يدرسونه.
فلما نزلوا على بحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به ولا يكلمهم، حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما، ثم دعاهم، وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلى الله عليه وسلم من دونهم حتى نزلوا تحت الشجرة.
ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، فأخضلت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك، نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام فأتي به، وأرسل إليهم وقال:
إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضوره كلكم، ولا تخلفوا أحدا منكم كبيرا ولا صغيرا حرا ولا عبدا فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا، ما كنت تصنع هذا، فما شأنك اليوم؟ !
قال: إني أحب أن أكرمكم، ولكم حق فاجتمع، القوم إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحالهم تحت الشجرة.
فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرفها ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بحيرا يا معشر قريش، لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم.
فقال: ادعوه ليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم، فقال (ص 102) القوم: هو والله أوسطنا، نسبا وهو ابن أخي هذا الرجل - يعنون أبا طالب - وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب:
والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته، فلما تفرقوا عن الطعام قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئا بغضهما، قال: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه.
قال: سلني عما بدا لك، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده فقبل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدراً.
وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال: هو ابني، قال: ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا؟ قال: فابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا.
قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن عرفوا منه ما أعرف ليبغنه عنتا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، نجده في كتابنا، واعلم أني قد أديت إليك النصيحة.
وقال عفان: حدثنا همام، عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن مطرف بن مالك، أنه قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري فأصبنا قبر دانيال بالسوين، وكانوا إذا أجدبوا خرجوا فاستسقوا به فوجدوا معه رقعة فطلبها نصراني من الحيرة يسمى: نعيما، فقرأها وفي أسفلها (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) فأسلم منهم يومئذ اثنان وأربعون حبرا، وذلك في خلافة معاوية فأتحفهم معاوية وأعطاهم.
قال همام: فأخبرني بسطام بن مسلم أن معاوية بن قرة قال تذاكرنا الكتاب إلى ما (ص 97) صار، فمر علينا شهر بن حوشب فدعوناه، فقال: على الخبير سقطتم، إن الكتاب كان عند كعب، فلما احتضر قال ألا رجل ائتمنه على أمانة يؤديها؟ قال شهر: فقال ابن عم لي يكنى أبا لبيد: أنا، فدفع إليه الكتاب، فقال: إذا بلغت موضع كذا فاركب قرقورا، ثم أقذف به في البحر، ففعل، فانفرج الماء، فقذفه فيه ورجع إلى كعب فأخبره، فقال: صدقت إنه من التوراة التي أنزلها الله عز وجل.
ومن ذلك ((أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي)) ونحن نذكر بعضها:
قال الزبير بن بكار: حدثني عمي مصعب، عن مصعب بن عثمان، قال: كان أمية قد نظر في الكتب، وقرأها ولبس المسوح تعبدا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنفية، وحرم الخمر والأوثان، والتمس الدين، وطمع في النبوة لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب فكان يرجو أن يكون هو.
فلما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم، قيل له: هذا الذي كنت تبشر به وتقول فيه، فحسده عدو الله، وقال: أنا كنت أرجو أن أكون هو فأنزل الله عز وجل فيه: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين)وهو الذي يقول:
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنفية زور *
قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: كان أمية بن أبي الصلت يلتمس الدين، ويطمع في النبوة، فخرج إلى الشام فمر بكنيسة، وكان معه جماعة من العرب من قريش وغيرهم، فقال أمية: إن لي حاجة في هذه الكنيسة، فانتظروني، فدخل الكنيسة
ثم خرج إليهم كاسفا متغيرا، فرمى بنفسه، فأقاموا عليه حتى سرى عنه، ثم مضوا فقضوا حوائجهم، ثم رجعوا فلما صاروا إلى الكنسية، قال لهم: انتظروني، ودخل الكنيسة فأبطأ، ثم خرج أسوأ من حاله الأول، فقال له أبو سفيان بن حرب: قد شققت على رفقتك، فقال: خلوني فإني أرتاد لنفسي، وأطلب لمعادي،
وإن ههنا راهبا عالما أخبرني أنه سيكون بعد عيسى ست رجفات، وقد مضت منها خمس، وبقيت واحدة، فخرجت وأنا أطمع أن أكون نبيا وأخاف أن يخطئني فأصابني ما رأيت، فلما رجعت أتيته فقال: قد كانت الرجفة، وقد بعث نبي من العرب، فأيست من النبوة فأصابني ما رأيت إذ فاتني ما كنت أطمع فيه.
قال: وقال الزهري: خرج أمية في سفر فنزلوا منزلا فأم أمية وجها، وصعد في كثيب، فرفعت له كنيسة فانتهى إليها، فإذا شيخ جالس، فقال لأمية حين رآه: إنك لمتبوع فمن أين يأتيك رئيك؟ قال: من شقي الأيسر، قال: فأي الثياب (ص 98) أحب إليه أن تلقاه فيها؟ قال السواد، قال: كدت تكون نبي العرب ولست به، هذا خاطر من الجن وليس بملك، وإن نبي العرب صاحب هذا الأمر يأتيه الملك من شقه الأيمن، وأحب الثياب إليه أن يلقه فيها البياض، قال الزهري: وأتى أمية أبا بكر فقال له: يا أبا بكر، عمي الخبر، فهل أحسست شيئا؟ قال: لا والله، قال: قد وجدته يخرج في هذا العام.
وقال عمر بن شبة: سمعت خالد بن يزيد يقول: إن أمية وأبا سفيان بن حرب صحباني في تجارة إلى الشام، فذكر نحو الحديث الأول، وزاد فيه، فخرج من عند الراهب وهو ثقيل، فقال له أبو سفيان: إن بك لشرا فما قضيتك؟ قال: خير، أخبرني عن عتبة ابن ربيعة: كم سنه؟ فذكر سنا، قال: أخبرني عن ماله؟ فذكر مالا، فقال له: وضعته، قال أبو سفيان: بل رفعته، فقال: إن صاحب هذا الأمر ليس بشيخ، ولا ذي مال، قال وكان الراهب: أيأسه وأخبره أن الأمر لرجل من قريش.
قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: حدثني رجل من أهل الكوفة، قال: كان أمية نائما، فجاءه طائران فوقع أحدهما على باب البيت، ودخل الآخر فشق عن قلبه، ثم رده الطائر، فقال له الطائر الآخر: أوعى؟ قال:نعم، قال: أزكى؟ قال: أبى.
وقال الزهري: دخل يوما أمية بن أبي الصلت على أخته وهي تهنأ أدمالها، فأدركه النوم فنام على سرير في ناحية البيت، قالت: فانشق جانب من السقف في البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره، ووقف الآخر مكانه، فشق الواقع صدره فأخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الآخر للذي على صدره: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى؟ قال: فرد قلبه في موضعه.
ثم مضى فاتبعهما أمية طرفه، وقال: لبيكما لبيكما هاأنا ذا لديكما، لا بريء فاعتذر ولا ذو عشيرة فانتصر، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه حتى أخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الأعلى للواقع: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض فاتبعهما أمية بصره فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما، لا مال لي يغنيني، ولا عشيرة تحميني، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه، ثم أخرج قلبه فشقه فقال الطائر الأعلى:
أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض فاتبعه أمية بصره، فقال: لبيكما لبيكما هاأنا ذا لديكما، محفوف بالنعم محوط بالذنب، قال فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه فأخرج قلبه فشقه، فقال الأعلى: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، قال ونهض فاتبعهما طرفه فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما:
إن تغفر أللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما
ثم انطبق السقف، وجلس أمية يمسح صدره، فقلت: يا أخي! هل تجد شيئا؟ قال: (ص 99) لا، ولكني أجد حرا في صدري، ثم أنشأ يقول:
ليتني كنت قبل ما قد بدالي * في قلال الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينيك واحذر * غولة الدهر إن للدهر غولا
وقال مروان بن الحكم: عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبي سفيان بن حرب، قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت تجارا إلى الشام، فكان كلما نزلنا منزلا أخرج منه سفرا يقرؤه، فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى، فرأوه فعرفوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، ثم رجع في وسط النهار فطرح نفسه واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما.
ثم قال: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه تناهي علم الكتب تسأله عما بدا لك؟ قلت: لا، فمضي هو وحده، وجاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح وأصبح كئيبا حزينا ما يكلمنا ولا نكلمه، فسرينا ليلتين على ما به من الهم، فقلت له:
ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك؟ قال: لمنقلبي، قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إي والله، لأموتن ولأحاسبن، قلت: فهل أنت قابل أماني؟ قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، فضحك وقال: بلى والله، لتبعثن ولتحاسبن، ولتدخلن فريق في الجنة وفريق في السعير، قلت: ففي أيهما أنت أأخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك في ولا في نفسه فكنا في ذلك ليلتنا يعجب منا ونضحك منه، حتى قدمنا غوطة دمشق، فبعنا متاعنا، وأقمنا شهرين، ثم ارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى.
فلما رأوه جاؤوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، حتى جاءنا مع نصف النهار فلبس ثوبيه الأسودين وذهب حتى جاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم رمي بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح مبثوثا حزينا لا يكلمنا ولا نكلمه، فرحلنا فسرنا ليالي.
ثم قال: يا صخر، حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: إي والله، قال: أو يصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: نعم، قال: فكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم، قال: فهل تعلم قرشيا أشرف منه؟ قلت: لا والله، قال: أمحوج هو؟ قلت: لا، بل هو ذو مال كثير، قال: كم أتي له من السنين؟ قلت: هو ابن سبعين أو قد قاربها، قال: فالسن والشرف أزريا به، قلت: والله بل زاده خيرا، قال: هو ذاك.
ثم إن الذي رأيت بي إني جئت هذا العالم فسألته عن هذا الذي ينتظر، فقال:رجل من العرب من أهل بيت تحجه العرب فقلت: فينا بيت تحجه العرب قال هو من إخوتكم وجيرانكم من قريش فأصابني شيء ما(ص 100) أصابني مثله إذ خرج من يدي فوز الدنيا والآخرة وكنت أرجو أن أكون أنا هو، فقلت: فصفه لي؟
فقال: رجل شاب حين دخل في الكهولة، بدؤ أمره أنه يجتنب المحارم والمظالم، ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو كريم الطرفين، متوسط في العشيرة، أكثر جنده من الملائكة، قلت: وما آية ذلك؟ قال: رجفت الشام منذ هلك عيسى ابن مريم عدة رجفات كلها فيها مصيبة، وبقيت رجفة عامة فيها مصيبة، يخرج على أثرها، فقلت: هذا هو الباطل لئن بعث الله رسولا لا يأخذه إلا مسنا شريفا.
قال أمية: والذي يحلف به إنه لهكذا، فخرجنا حتى إذا كان بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكبا من خلفنا، فإذا هو يقول: أصابت الشام من بعدكم رجفة دثر أهلها فيها فأصابتهم مصائب عظيمة، فقال أمية: كيف ترى يا أبا سفيان؟ فقلت: والله ما أظن صاحبك إلا صادقا.
وقدمنا مكة ثم انطلقت حتى أتيت أرض الحبشة تاجرا، وكنت فيها خمسة أشهر.
ثم قدمت مكة فجاءني الناس يسلمون علي، وفي آخرهم محمد وهند تلاعب صبيانها، فسلم علي ورحب بي، وسألني عن سفري ومقدمي.
ثم انطلق فقلت: والله إن هذا الفتى لعجب ما جاءني من قريش أحد له معي بضاعة إلا سألني عنها وما بلغت، والله إن له معي لبضاعة ما هو بأغناهم عنها، ثم ما سألني عنها، فقالت: أوما علمت بشأنه؟ فقلت: - وفزعت - وما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول الله، فذكرت قول النصراني، فوجمت.
ثم قدمت الطائف، فنزلت على أمية فقلت: هل تذكر حديث النصراني؟ قال: نعم، فقلت: قد كان، قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله، فتصبب عرقا، فقلت: قد كان من أمر الرجل ما كان فأين أنت منه، فقال: والله لا أومن بنبي من غير ثقيف أبداً.
فهذا حديث أبي سفيان عن أمية، وذلك حديثه عن هرقل وهو في صحيح البخاري، وكلاهما من أعلام النبوة المأخوذة عن علماء أهل الكتاب.
وذكر الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وهو ثقة: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه قال:
خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب حطوا عن رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى إذا جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين.
فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفيه مثل التفاحة.
ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية (ص 101) الإبل قال: أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنى من القوم وجد هم قد سبقوه إلى في الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، قال: فينا هو قائم عليهم، وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه.
وإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم، وقال: ما جاء بكم؟ قالوا: بلغنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره فبعثنا إلى طريقك هذا
فقال: لعل خلفكم أحد هو خير منكم؟ قالوا: إنا قد أخبرنا خبره بطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه فهل يستطيع أحد من الناس رده، قالوا: لا، قال: فبايعوه وأقاموا معه، قال: أنشدكم الله أيكم وليه، قالوا: أبو طالب فلم يزل يناشدهم حتى رده، وقد روى محمد بن سعد هذه القصة مطولة.
قال ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر بن واقد، حدثنا محمد بن صالح، وعبد الله بن جعفر الزبيري، قال محمد بن عمر: وحدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى، وهو ابن ثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة، يتوارثونها عن كتاب يدرسونه.
فلما نزلوا على بحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به ولا يكلمهم، حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما، ثم دعاهم، وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلى الله عليه وسلم من دونهم حتى نزلوا تحت الشجرة.
ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، فأخضلت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك، نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام فأتي به، وأرسل إليهم وقال:
إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضوره كلكم، ولا تخلفوا أحدا منكم كبيرا ولا صغيرا حرا ولا عبدا فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا، ما كنت تصنع هذا، فما شأنك اليوم؟ !
قال: إني أحب أن أكرمكم، ولكم حق فاجتمع، القوم إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحالهم تحت الشجرة.
فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرفها ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بحيرا يا معشر قريش، لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم.
فقال: ادعوه ليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم، فقال (ص 102) القوم: هو والله أوسطنا، نسبا وهو ابن أخي هذا الرجل - يعنون أبا طالب - وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب:
والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته، فلما تفرقوا عن الطعام قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئا بغضهما، قال: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه.
قال: سلني عما بدا لك، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده فقبل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدراً.
وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال: هو ابني، قال: ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا؟ قال: فابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا.
قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن عرفوا منه ما أعرف ليبغنه عنتا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، نجده في كتابنا، واعلم أني قد أديت إليك النصيحة.
فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرا فذكروا له أمره فنهاهم أشد النهي، وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع أبو طالب، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أغسطس 04, 2011 4:28 am من طرف زائر
» fish oil side effects
الثلاثاء أغسطس 02, 2011 12:06 pm من طرف زائر
» مèيهêîëîمè÷هٌêèé îٌىîًٍ âèنهî îيëàéي
الإثنين أغسطس 01, 2011 2:18 am من طرف زائر
» USPS Priority Mail Delivery Brand Viagra (Pfizer) - $4.79 per pill!
السبت يوليو 30, 2011 9:22 pm من طرف زائر
» دًîنâèوهيèه يهèçلهويî
الجمعة يوليو 29, 2011 2:35 pm من طرف زائر
» http://www.islamweb.net/ver2/MainPage/index.php
السبت أغسطس 30, 2008 12:03 pm من طرف Admin
» http://mushtaqoon-lelfrdaws.com/subject.asp?hit=1&lang=ar&parent_id=22&sub_id=649
الخميس أغسطس 28, 2008 10:18 pm من طرف Admin
» قاعدة فى الجماعة والفرقة، وسبب ذلك ونتيجته
الجمعة أغسطس 15, 2008 1:25 pm من طرف Admin
» نجائب النجاة مهيأة للمراد، وأقدام المطرود موثوقة بالقيود
السبت أغسطس 02, 2008 6:19 pm من طرف Admin
» موقف العبد بين يدي الله
السبت أغسطس 02, 2008 6:15 pm من طرف Admin
» مواساة المؤمنين
الأربعاء يوليو 30, 2008 11:12 pm من طرف Admin
» منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء يوليو 30, 2008 11:09 pm من طرف Admin
» مناداة أيوب ربه
الأربعاء يوليو 30, 2008 11:04 pm من طرف Admin
» من معاني العبودية
الأربعاء يوليو 30, 2008 11:00 pm من طرف Admin
» من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بأذنه
الأربعاء يوليو 30, 2008 10:58 pm من طرف Admin
» من كلام الشيخ علي
الأربعاء يوليو 30, 2008 10:54 pm من طرف Admin
» من صفات التوحيد
الأربعاء يوليو 30, 2008 10:52 pm من طرف Admin
» من حكم ابن مسعود
الأربعاء يوليو 30, 2008 10:47 pm من طرف Admin
» من أسرار التوحيد
الأربعاء يوليو 30, 2008 10:44 pm من طرف Admin
» من ارضى الله وأسخط الناس
الأربعاء يوليو 30, 2008 10:40 pm من طرف Admin
» مكر الله عز وجل
الأربعاء يوليو 30, 2008 9:22 pm من طرف Admin
» مفاسد الكذب
الأربعاء يوليو 30, 2008 9:19 pm من طرف Admin
» من اعجب الأشياء
الإثنين يوليو 28, 2008 8:18 pm من طرف Admin
» مثل الدنيا
الإثنين يوليو 28, 2008 8:13 pm من طرف Admin
» حقيقة المحب الصادق
الإثنين يوليو 28, 2008 8:10 pm من طرف Admin
» فوائد قيمة إياك والمعاصي
الإثنين يوليو 28, 2008 8:06 pm من طرف Admin
» أنواع الغيرة
الإثنين يوليو 28, 2008 8:02 pm من طرف Admin
» من معاني الإ نصاف له تعالى
الأحد يوليو 27, 2008 8:03 pm من طرف Admin
» مراتب التقوى
الجمعة يوليو 25, 2008 2:43 pm من طرف Admin
» الكلام في ألهاكم التكاثر
الجمعة يوليو 25, 2008 2:40 pm من طرف Admin
» قبول المحل لما يوضع مرهون بأن يفرغ من ضده
الجمعة يوليو 25, 2008 2:37 pm من طرف Admin
» عظمته سبحانه وتعالى
الجمعة يوليو 25, 2008 2:33 pm من طرف Admin
» أنزه الموجودات وأشرفها
الجمعة يوليو 25, 2008 2:30 pm من طرف Admin
» كيف يفعل من أصابه هم أو غم
الجمعة يوليو 25, 2008 2:27 pm من طرف Admin
» طريقان لمعرفته تعالى
الجمعة يوليو 25, 2008 2:10 pm من طرف Admin
» نظرة إلى سورة الفاتحة
الجمعة يوليو 25, 2008 2:06 pm من طرف Admin
» فائدة جليلة
الجمعة يوليو 25, 2008 2:03 pm من طرف Admin
» فضيلة لأهل بدر
الجمعة يوليو 25, 2008 1:59 pm من طرف Admin
» الصفات الأربعة لأهل الجنة
الجمعة يوليو 25, 2008 1:55 pm من طرف Admin
» القيامة قيامتان- صغرى وكبرى
الجمعة يوليو 25, 2008 1:52 pm من طرف Admin
» براهين المعاد في القرآن مبنية على أصول ثلاثة
الجمعة يوليو 25, 2008 1:50 pm من طرف Admin
» سورة ق جامعة لأصول الإيمان
الجمعة يوليو 25, 2008 1:45 pm من طرف Admin
» الفوائد ـــــــــــ الانتفاع بالقرآن وشروطه
الجمعة يوليو 25, 2008 1:41 pm من طرف Admin
» ـــــــ البهائية ــــــــ (1)
الجمعة يوليو 25, 2008 1:04 pm من طرف Admin
» ــــــــــــ البقية الاخيرة من البهائية ــــــــــــ(3)
الجمعة يوليو 25, 2008 12:57 pm من طرف Admin
» بقية مقالة البهائية (2)
الجمعة يوليو 25, 2008 12:51 pm من طرف Admin
» ـــــــــــــــــــــ الشفاعة ــــــــــــــــــــــ
الخميس يوليو 24, 2008 10:49 pm من طرف Admin
» مواقع وأخبار
الثلاثاء يوليو 08, 2008 10:38 am من طرف Admin
» مناظرة مع أحد كبار اليهود.
الثلاثاء مايو 20, 2008 9:59 pm من طرف Admin
» حديث وهب عن الذبور
الثلاثاء مايو 20, 2008 9:51 pm من طرف Admin
» خبر الحجر الذى وجد فى قبر دانيال
الثلاثاء مايو 20, 2008 9:46 pm من طرف Admin
» هل تعانى من مشكلة إنقطاع الاتصال بالانترنت فى ويندوز
الثلاثاء مايو 20, 2008 9:10 pm من طرف Admin
» تنزيل مواقع كاملة بدون برنامج
الثلاثاء مايو 20, 2008 8:32 pm من طرف Admin
» أســرار الحاسب والإنترنت
السبت مايو 17, 2008 11:06 pm من طرف Admin
» نداء الايمان ...... مكتبة التراث الاسلامى.
الأحد مايو 11, 2008 9:25 am من طرف صقر العرب
» موسوعة إيجيبتانا .
الخميس مايو 08, 2008 3:59 pm من طرف Admin
» جمهورية مصر العربية .
الأربعاء مايو 07, 2008 4:44 pm من طرف Admin
» موقع الرئيس محمد أنور السادات
الأربعاء مايو 07, 2008 4:35 pm من طرف Admin
» الجرائد المصرية
الأربعاء مايو 07, 2008 1:58 pm من طرف Admin
» واجب عزاء للأستاذ شعبان أبو الفضل
الثلاثاء مايو 06, 2008 9:14 am من طرف صقر العرب
» ((إنا لله وإنا إليه راجعون)) رثاء الى نفسى فى وفاة أخى شعبان أمين رحمه الله فى 3/5/2008م
الإثنين مايو 05, 2008 10:28 pm من طرف Admin
» المكتبة الشعرية الشاملة - سجايا الشعراء.
الإثنين مايو 05, 2008 9:07 pm من طرف Admin
» فى الشعر الجاهلى- ديوان العرب
الإثنين مايو 05, 2008 9:03 pm من طرف Admin
» مكتبة الاسكندرية ـــــــــــــ كتابى الالكترونى والمطبوع .
الجمعة مايو 02, 2008 5:57 pm من طرف Admin
» المكتبة العربية .
الجمعة مايو 02, 2008 5:48 pm من طرف Admin
» الموسوعة الشاملة
الجمعة مايو 02, 2008 5:44 pm من طرف Admin
» إسلام أون لاين نت .
الجمعة مايو 02, 2008 5:31 pm من طرف Admin
» المكتبة الاسلامية ــــــــــــ إسلام سايتزـ
الجمعة مايو 02, 2008 5:27 pm من طرف Admin
» المكتبة أكبر موسوعة للكتب الاسلامية والعربية .
الجمعة مايو 02, 2008 3:47 pm من طرف Admin
» الشبكة الاسلامية.
الجمعة مايو 02, 2008 3:37 pm من طرف Admin
» وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
الأربعاء أبريل 30, 2008 9:28 pm من طرف Admin
» صيد الفوائد
الأربعاء أبريل 30, 2008 8:47 pm من طرف Admin
» منظمة المؤتمر الإسلامي
الإثنين أبريل 28, 2008 10:53 pm من طرف Admin
» تسجيلات الشبكة الاسلامية للقرآن الكريم . حسب الرواية
الإثنين أبريل 28, 2008 10:41 pm من طرف Admin
» مكتبتك الشاملة على الانترنت للقرآن الكريم بصيغة MP3
الإثنين أبريل 28, 2008 10:37 pm من طرف Admin
» موسوعة القرآن الكريم في قصيمي نت.
الإثنين أبريل 28, 2008 10:33 pm من طرف Admin
» طريق الاسلام
الإثنين أبريل 28, 2008 10:27 pm من طرف Admin
» جماعة أنصار السنة المحمدية .
الإثنين أبريل 28, 2008 10:08 pm من طرف Admin
» المجلس الاعلى للشئون الاسلامية بالازهر الشريف
الإثنين أبريل 28, 2008 10:05 pm من طرف Admin
» المجلس الاعلى للشئون الاسلامية بالازهر الشريف
الإثنين أبريل 28, 2008 10:03 pm من طرف Admin
» الاكاديمية الاسلامية المفتوحة
الإثنين أبريل 28, 2008 9:57 pm من طرف Admin
» البوابة الاسلامية -الموقع الرسمى لوزارة الاوقاف والشئون الاسلامية بدولة الكويت
الإثنين أبريل 28, 2008 9:54 pm من طرف Admin
» دار الافتاء المصرية : فضيلة الامام الاكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق
الإثنين أبريل 28, 2008 9:38 pm من طرف Admin
» الامام المحدث: محمد ناصر الدين الالبانى
الإثنين أبريل 28, 2008 9:35 pm من طرف Admin
» موقع فضيلة الشيخ / محمد متولى الشعراوى
الإثنين أبريل 28, 2008 9:32 pm من طرف Admin
» موقع فضيلة الشيخ محمد الغزالى
الإثنين أبريل 28, 2008 9:29 pm من طرف Admin
» موقع الداعية: عمر خالد
الإثنين أبريل 28, 2008 9:21 pm من طرف Admin
» موقع فضيلة الدكتور.العلامة .الشيخ / يوسف القرضاوى
الإثنين أبريل 28, 2008 9:19 pm من طرف Admin
» الشبكة الدعوية
الإثنين أبريل 28, 2008 9:15 pm من طرف Admin
» فضيلة الشيخ العلامة : محمد بن صالح بن عثيمين .
الإثنين أبريل 28, 2008 9:11 pm من طرف Admin
» الصفحة الرئيسية /الموقع الرسمى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
الإثنين أبريل 28, 2008 9:09 pm من طرف Admin
» موقع فضيلة الشيخ محمد حســـــــــــــــــــان
الإثنين أبريل 28, 2008 8:55 pm من طرف Admin
» مدونتى الخاصة ( مغترب على الهامش)
الأحد أبريل 27, 2008 8:50 pm من طرف Admin
» موسوعة الاعجاز العلمى فى القرآن والسنة
الأحد أبريل 27, 2008 7:39 pm من طرف Admin
» حاول...أن تكون...
الأحد أبريل 27, 2008 8:37 am من طرف صقر العرب
» الاعجاز العلمى فى القرآن والسنة
السبت أبريل 26, 2008 8:25 pm من طرف Admin
» بسم الله الرحمن الرحيم
السبت أبريل 26, 2008 9:01 am من طرف Admin
» {أليس الله بكاف عبده}
الأربعاء أبريل 23, 2008 10:00 pm من طرف Admin
» مواقف مع الهاكرز
السبت أبريل 19, 2008 7:36 am من طرف صقر العرب